سورة ص - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


لات: هي لا، ألحقت بها التاء كما ألحقت في ثم ورب، فقالوا: ثمت وربت، وهي تعمل عمل ليس في مذهب سيبويه، وعمل إن في مذهب الأخفش. فإن ارتفع ما بعدها، فعلى الابتداء عنده؛ ولها أحكام ذكرت في علم النحو، ويأتي شيء منها هنا عند ذكر القراءات التي فيها. والمناص: المنجا والغوث، يقال ناصه ينوصه: إذا فاته. قال الفراء: النوص: التأخير، يقال ناص عن قرنه ينوص نوصاً ومناصاً: أي فر وزاغ، وأنشد لامرئ القيس:
أم ذكر سلمى ان نأتك كنوص *** واستناص طلب المناص
قال حارثة بن بدر:
غمر الجراء إذا قصرت عنانه *** بيدي استناص ورام جري المسحل
وقال الجوهري: استناص: تأخر. وقال النحاس: ناص ينوص: تقدم. الوتد: معروف، وكسر التاء أشهر من فتحها. ويقال: وتد واتد، كما يقال: شغل شاغل. قال الأصمعي وأنشد:
لاقت على الماء جذيلاً واتداً *** ولم يكن يخلفها المواعدا
وقالوا: ودّ فأدغموه، قال الشاعر:
تخرج الودّ إذا ما أشحذت *** وتواريه إذا ما تشتكر
وقالوا فيه: دت، فأدغموا بإدال الدال تاء، وفيه قلب الثاني للأول، وهو قليل.
{ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزّة وشقاق كم أهلكنا من قبلكم من قرن فنادوا ولات حين مناص وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكفارون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن أمشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقبوا في الأسباب جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذَّب الرسل فحق عقاب}.
هذه السورة مكية، ومناسبتها لآخر ما قبلها أنه لما ذكر عن الكفار أنهم كانوا يقولون: {لو أن عندنا ذكراً من الأولين} لأخلصوا العبادة لله. وأخبر أنهم أتاهم الذكر فكفروا به. بدأ في هذه السورة بالقسم بالقرآن، لأنه الذكر الذي جاءهم، وأخبر عنهم أنهم كافرون، وأنهم في تعزز ومشاقة للرسول الذي جاء به؛ ثم ذكر من أهلك من القرون التي شاقت الرسل ليتعظوا. «وروي أنه لما مرض أبو طالب، جاءت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه، وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ فقال: يا عم، إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم الجزية بها العجم. قال: وما الكلمة؟ قال: كلمة واحدة، قال: وما هي؟ قال: لا إله إلا الله، قال فقاموا وقالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟».
قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذكر}، حتى بلغ، {إن هذا إلا اختلاق}.
قرأ الجمهور: ص، بسكون الدال. وقرأ أبي، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو السمال، وابن أبي عبلة، ونصر بن عاصم: ص، بكسر الدال، والظاهر أنه كسر لالتقاء الساكنين. وهو حرف من حروف المعجم نحو: ق ونون. وقال الحسن: هو أمر من صادى، أي عارض، ومنه الصدى، وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الصلبة الخالية من الأجسام، أي عارض بعملك القرآن. وعنه أيضاً: صاديت: حادثت، أي حادث، وهو قريب من القول الأول. وقرأ عيسى، ومحبوب عن أبي عمرو، وفرقة: صاد، بفتح الدال، وكذا قرأ: قاف ونون، بفتح الفاء والنون، فقيل: الفتح لالتقاء الساكنين طلباً للتخفيف؛ وقيل: انتصب على أنه مقسم به، حذف منه حرف القسم نحو قوله: ألله لأفعلن، وهو اسم للسورة، وامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد صرفها من قرأ صاد بالجر والتنوين على تأويل الكتاب والتنزيل، وهو ابن أبي إسحاق في رواية. وقرأ الحسن أيضاً: صاد، بضم الدال، فإن كان اسماً للسورة، فخبر مبتدأ محذوف، أي هذه ص، وهي قراءة ابن السميفع وهارون الأعور؛ وقرأ قاف ونون، بضم الفاء والنون. وقيل: هو حرف دال على معنى من فعل أو من اسم، فقال الضحاك: معناه صدق الله. وقال محمد بن كعب: مفتاح أسماء الله محمد صادق الوعد صانع المصنوعات. وقيل: معناه صدق محمد.
قال ابن عباس، وابن جبير، والسدّي: ذي الذكر: ذي الشرف الباقي المخلد. وقال قتادة: ذي التذكرة، للناس والهداية لهم. وقيل: ذي الذكر، للأمم والقصص والغيوب والشرائع وجواب القسم، قيل: مذكور، فقال الكوفيون والزجاج: هو قوله: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} وقال الفراء: لا نجده مستقيماً في العربية لتأخره جداً عن قوله: {والقرآن}. وقال الأخفش: هو {إن كل إلا كذّب الرسل}، وقال قوم: {كم أهلكنا}، وحذف اللام أي لكم، لما طال الكلام؛ كما حذفت في {والشمس} ثم قال: {قد أفلح} حكاه الفراء وثعلب، وهذه الأقوال يجب اطراحها. وقيل: هو صاد، إذ معناه: صدق محمد وصدق الله. وكون صاد جواب القسم، قاله الفراء وثعلب، وهذا مبني على تقدم جواب القسم، واعتقاد أن الصاد يدل على ما ذكروه. وقيل: الجواب محذوف، فقدره الحوفي: لقد جاءكم الحق ونحوه، والزمخشري: إنه لمعجز، وابن عطية: ما الأمر كما تزعمون، ونحو هذا من التقدير. ونقل أن قتادة والطبري قالا: هو محذوف قبل {بل}، قال: وهو الصحيح، وقدره ما ذكرنا عنه، وينبغي أن يقدر ما أثبت هنا جواباً للقرآن حين أقسم به، وذلك في قوله تعالى: {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين} ويقوي هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم}، وقال هناك: {لتنذر قوماً} فالرسالة تتضمن النذارة والبشارة، وبل للانتقال من هذا القسم والمقسم عليه إلى حالة تعزز الكفار ومشاقهم في قبول رسالتك وامتثال ما جئت به، واعتراف بالحق.
وقرأ حماد بن الزبرقان، وسورة عن الكسائي، وميمون عن أبي جعفر، والجحدري من طريق العقيلي: في غرة، بالغين المعجمة والراء، أي في غفلة ومشاقة. {قبلهم}: أي قبل هؤلاء ذوي المنعة الشديدة والشقاق، وهذا وعيد لهم. {فنادوا}: أي استغاثوا ونادوا بالتوبة، قاله الحسن؛ أو رفعوا أصواتهم، يقال: فلان أندى صوتاً: أي أرفع، وذلك بعد معاينة العذاب، فلم يك وقت نفع. وقرأ الجمهور: {ولات حين}، بفتح التاء ونصب النون، فعلى قول سيبويه، عملت عمل ليس، واسمها محذوف تقديره: ولات الحين حين فوات ولا فرار. وعلى قول الأخفش: يكون حين اسم لات، عملت عمل إن نصبت الإسم ورفعت الخبر، والخبر مخذوف تقديره: ولات أرى حين مناص. وقرأ أبو السمال: ولات حين، بضم التاء ورفع النون؛ فعلى قول سيبويه: حين مناص اسم لات، والخبر محذوف؛ وعلى قول الأخفش: مبتدأ، والخبر محذوف. وقرأ عيسى بن عمر: ولات حين، بكسر التاء وجر النون، خبر بعد لات، وتخريجه مشكل، وقد تمحل الزمخشري في تخريج الخبر في قوله:
طلبوا صلحنا ولات حين أوان *** فأجبنا أن لات حين بقاء
قال: شبه أوان بإذ في قوله: وأنت إذ صحيح في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض، لأن الأصل: ولات أوان صلح. فإن قلت: فما تقول في حين مناص، والمضاف إليه قائم؟ قلت: نزل قطع المضاف والمضاف إليه، وجعل تنوينه عوضاً من الضمير المحذوف، ثم بنى الحين لكونه مضافاً إلى غير متمكن. انتهى. هذا التمحل، والذي ظهر لي في تخريج هذه القراءة الشاذة، والبيت النادر في جر ما بعد لات: أن الجر هو على إضمار من، كأنه قال: لات من حين مناص، ولات من أوان صلح، كما جروا بها في قولهم: على كم جذع بيتك؟ أي من جذع في أصح القولين، وكما قالوا: لا رجل جزاه الله خيراً، يريدون: لا من رجل، ويكون موضع من حين مناص رفعاً على أنه اسم لات بمعنى ليس، كما تقول: ليس من رجل قائماً، والخبر محذوف، وهذا على قول سيبويه، أو على أنه مبتدأ أو الخبر محذوف، على قول الأخفش. وقال بعضهم: ومن العرب من يخفض بلات، وأنشد الفراء:
ولتندمن ولات ساعة مندم ***
وخرج الأخفش ولات أوان على إضمار حين، أي ولات حين أوان، حذف حين وأبقى أوان على جره. وقال أبو إسحاق: ولات أواننا، فحذف المضاف إليه، فوجب أن لا يعرب، وكسره لالتقاء الساكنين؛ وهذا هو الوجه الذي قرره الزمخشري، أخذه من أبي إسحاق الزجاج، وأنشده المبرد: ولات أوان بالرفع.
وعن عيسى: ولات حين، بالرفع، مناص: بالفتح. وقال صاحب اللوامح: فإن صح ذلك، فلعله بنى حين على الضم، فيكون في الكلام تقديم وتأخير، وأجراه مجرى قبل وبعد في الغاية، وبنى مناص على الفتح مع لات، على تقدير: لات مناص حين، لكن لا إنما تعمل في النكرات في اتصالها بهن دون أن يفصل بينهما ظرف أو غيره، وقد يجوز أن يكون لذلك معنى لا أعرفه. انتهى. وقرأ عيسى أيضاً: ولات بكسر التاء، وحين بنصب النون، وتقدم تخريج نصب حين. ولات روي فيها فتح التاء وضمها وكسرها والوقف عليها بالتاء، قول سيبويه والفراء وابن كيسان والزجاج، ووقف الكسائي والمبرد بالهاء، وقوم على لا، وزعموا أن التاء زيدت في حين؛ واختاره أبو عبيدة وذكر أن رآه في الإمام مخلوطاً تاؤه بحين، وكيف يصنع بقوله: ولات ساعة مندم، ولات أوان. وقال الكلبي: كانوا إذا قاتلوا فاضطروا، قال بعضهم لبعض: مناص، أي عليكم بالفرار، فلما أتاهم العذاب قالوا: مناص، فقال الله: {ولات حين مناص}. قال القشيري: فعلى هذا يكون التقدير: فنادوا مناص، فحذف لدلالة ما بعده عليه، أي ليس الوقت وقت ندائكم به، وفيه نوع تحكم، إذ كل من هلك من القرون يقول مناص عند الاضطرار. انتهى. وقال الجرجاني: أي فنادوا حين لا مناص، أي ساعة لا منجا ولا فوت. فلما قدم لا وأخر حين اقتضى ذلك الواو، كما تقتضي الحال إذا جعل مبتدأ وخبراً مثل: جاء زيد راكباً، ثم تقول: جاء زيد وهو راكب، فحين ظرف لقوله: {فنادوا}. انتهى. وكون أصل هذه الجملة: فنادوا حين لا مناص، وأن حين ظرف لقوله: {فنادوا} دعوى أعجمية مخالفة لنظم القرآن، والمعنى على نظمه في غاية الوضوح، والجملة في موضع الحال، فنادوا وهم لات حين مناص، أي لهم.
ولما أخبر تعالى عن الكفار أنهم في عزة وشقاق، أردف بما صدر عنهم من كلماتهم الفاسدة، من نسبتهم إليه السحر والكذب. ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {وقال الكافرون}، أي: وقالوا تنبيهاً على الصفة التي أوجبت لهم العجب، حتى نسبوا من جاء بالهدى والتوحيد إلى السحر والكذب. {أجعل الآلهة إلهاً واحداً}، قالوا: كيف يكون إله واحد يرزق الجميع وينظر في كل أمورهم؟ وجعل: بمعنى صير في القول والدعوى والزعم، وذكر عجبهم مما لا يعجب منه. والضمير في {وعجبوا} لهم، أي استغربوا مجيء رسول من أنفسهم. وقرأ الجمهور: {عجاب}، وهو بناء مبالغة، كرجل طوال وسراع في طويل وسريع. وقرأ علي، والسلمي، وعيسى، وابن مقسم: بشم الجيم، وقالوا: رجل كرّام وطعام طياب، وهو أبلغ من فعال المخفف. وقال مقاتل: عجاب لغة أزد شنوءة. والذين قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً}، قال ابن عباس: صناديد قريش، وهم ستة وعشرون.
{وانطلق الملأ منهم}: الظاهر انطلاقهم عن مجلس أبي طالب، حين اجتمعوا هم والرسول عنده وشكوه على ما تقدّم في سبب النزول؛ ويكون ثم محذوف تقديره: يتحاورون. {أن امشوا}، وتكون أن مفسرة لذلك المحذوف، وامشوا أمر بالمشي، وهو نقل الأقدام عن ذلك المجلس. وقال الزمخشري: وأن بمعنى أي، لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم، فكان انطلاقهم مضمناً معنى القول والأمر بالمشي، أي بعضهم أمر بعضاً. وقيل: أمر الأشراف أتباعهم وأعوانهم. ويجوز أن تكون أن مصدرية، أي وانطلقوا بقولهم امشوا، وقيل: الانطلاق هنا الاندفاع في القول والكلام، وأن مفسرة على هذا، والأمر بالمشي لا يراد به نقل الخطا، إنما معناه: سيروا على طريقتكم ودوموا على سيرتكم. وقيل: {امشوا} دعاء بكسب الماشية، قيل: وهو ضعيف، لأنه كان يلزم أن تكون الألف مقطوعة، لأنه إنما يقال: أمشي الرجل إذا صار صاحب ماشية؛ وأيضاً فهذا المعنى غير متمكن في الآية. وقال الزمخشري: ويجوز أنهم قالوا: امشوا، أي أكثروا واجتمعوا، من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها؛ ومنه الماشية للتفاؤل. انتهى. وأمروا بالصبر على الآلهة، أي على عبادتها والتمسك بها.
والإشارة بقوله: {إن هذا} أي ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، وعلوه بالنبوة، {لشيء يراد}: أي يراد منا الانقياد إليه، أو يريده الله ويحكم بإمضائه، فليس فيه إلا الصبر، أو أن هذا الأمر شيء من نوائب الدهر مراد منا، فلا انفكاك عنه، وأن دينكم لشيء يراد، أي يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه، احتمالات أربعة. وقال القفال: هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف، المعنى: أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير للدين، وإنما غرضه أن يستولي علينا، فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد. {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة}، قال ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن كعب، ومقاتل: ملة النصارى، لأن فيها التثليث، ولا توحد. وقال مجاهد، وقتادة: ملة العرب: قريش ونجدتها. وقال الفراء، والزجاج: ملة اليهود والنصرانية، أشركت اليهود بعزير، وثلث النصارى. وقيل: في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون في آخر الزمان، وذلك أنه قبل المبعث، كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين. ويدل على صحة هذا ما روي من أقوال الأحبار أولي الصوامع، وما روي عن الكهان شق وسطيح وغيرهما، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم. وقيل: في الملة الآخرة، أي لم نسمع من أهل الكتاب ولا الكهان أنه يحدث في الملة الآخرة توحيد الله. {إن هذا إلا اختلاق}: أي افتعال وكذب.
{أأنزل عليه الذكر من بيننا}: أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم، وهذا الإنكار هو ناشئ عن حسد عظيم انطوت عليه صدورهم فنطقت به ألسنتهم.
{بل هم في شك من ذكري}: أي من القرآن الذي أنزلت على رسولي يرتابون فيه، والإخبار بأنهم في شك يقتضي كذبهم في قولهم: {إن هذا إلا اختلاق}. {بل لما يذوقوا عذاب}: أي بعد، فإذا ذاقوه عرفوا أن ما جاء به حق وزال عنهم الشك. {أم عندهم خزائن رحمة ربك}: أي ليسوا متصرفين في خزائن الرحمة، فيعطون ما شاؤوا، ويمنعون من شاؤوا ما شاؤوا، ويصطفون للرسالة من أرادوا، وإنما يملكها ويتصرف فيها {العزيز}: الذي لا يغالب، {الوهاب}: ما شاء لمن شاء.
لما استفهم استفهام إنكار في قوله: {أم عندهم خزائن رحمة ربك}، وكان ذلك دليلاً على انتفاء تصرفهم في خزائن رحمة ربك، أتى بالإنكار والتوبيخ بانتفاء ما هو أعم فقال: {أم لهم ملك السموات والأرض}: أي ليس لهم شيء من ذلك. {فليرتقوا}: أي ألهم شيء من ذلك، فليصعدوا، {في الأسباب}، الموصولة إلى السماء، والمعارج التي يتوصل بها إلى تدبير العالم، فيضعون الرسالة فيمن اختاروا. ثم صغرهم وحقرهم، فأخبر بما يؤول إليه أمرهم من الهزيمة والخيبة. قيل: وما زائدة، ويجوز أن تكون صفة أريد به التعظيم على سبيل الهزء بهم، أو التحقير، لأن مال الصفة تستعمل على هذين المعنيين. و{هنالك}: ظرف مكان يشار به للبعيد. والظاهر أنه يشار به للمكان الذي تفاوضوا فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتلك الكلمات السابقة، وهو مكة، فيكون ذلك إخباراً بالغيب عن هزيمتهم بمكة يوم الفتح، فالمعنى أنهم يصيرون مهزومين بمكة يوم الفتح. وقيل: {هنالك}، إشارة إلى الإرتقاء في الأسباب، أي هؤلاء القوم إن راموا ذلك جند مهزوم. وقيل: أشير بهنالك إلى جملة الأصنام وعضدها، أي هم جند مهزوم في هذه السبيل. وقال مجاهد، وقتادة: الإشارة إلى يوم بدر، وكان غيباً، أعلم الله به على لسان رسوله. وقيل: الإشارة إلى حصر عام الخندق بالمدينة. وقال الزمخشري: وهنالك، إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم من قولهم: لمن يندبه لأمر ليس من أهله، لست هنالك. انتهى. و{هنالك}، يحتمل أن يكون في موضع الصفة لجند، أي كائن هنالك؛ ويحتمل أن يكون متعلقاً بمهزوم، وجند خبر مبتدأ محذوف، أي هم جند، ومهزوم خبره. وقال أبو البقاء: جند مبتدأ، وما زائدة، وهنالك نعت، ومهزوم الخبر. انتهى. وفيه بعد لفصله عن الكلام الذي قبله. ومعنى {من الأحزاب}: من جملة الأحزاب الذين تعصبوا في الباطل وكذبوا الرسل. ولما ذكر تعالى أنه أهلك قبل قريش قروناً كثيرة لما كذبوا رسلهم، سرد منهم هنا من له تعلق بعرفانه. و{ذو الأوتاد}: أي صاحب الأوتاد، وأصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده. قال الأفوه العوذي:
والبيت لا يبتنى إلا على عمد *** ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر، كما قال الأسود:
في ظل ملك ثابت الأوتاد ***
قاله الزمخشري، وأخذه من كلام غيره. وقال ابن عباس، وقتادة، وعطاء: كانت له أوتاد وخشب يلعب بها وعليها. وقال السدي: كان يقتل الناس بالأوتاد، ويسمرهم في الأرض بها. وقال الضحاك: أراد المباني العظيمة الثابتة. وقيل: عبارة عن كثرة أخبيته وعظم عساكره. وقيل: كان يشج المعذب بين أربع سواري، كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروبة فيها وتد من حديد، ويتركه حتى يموت. روي معناه عن الحسن ومجاهد، وقيل: كان يمده بين أربعة أوتاد في الأرض، ويرسل عليه العقارب والحيات. وقيل: يشدهم بأربعة أوتاد، ثم يرفع صخرة فتلقى عليه فتشدخه. وقال ابن مسعود، وابن عباس، في رواية عطية: الأوتاد: الجنود، يشدون ملكه، كما يقوي الوتد الشيء. وقيل: بنى مناراً يذبح عليها الناس، قاله ابن جبير. {أولئك الأحزاب}: أي الذين تحزبوا على أنبيائهم، كما تحزب قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم. والظاهر أن الإشارة بأولئك إلى أقرب مذكور، وهم قوم نوح ومن عطف عليهم؛ وفيه تفخيم لشأنهم وإعلاء لهم على من تحزب على رسول الله، أي هؤلاء العظماء لما كذبوا عوقبوا، وكذلك أنتم.
{إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب}: فوجب عقابهم. كذبت قوم نوح، آذوا نوحاً فأغرقوا؛ وقوم هود فأهلكوا بالريح؛ وفرعون فأغرق؛ وثمود بالصيحة؛ وقوم لوط بالخسف؛ والأيكة بعذاب الظلة. ومعنى {إن كل}: ما كان من قوم نوح فمن بعدهم، {فحق عقاب}: أي وجب عقابهم، فكذلك يحق عليكم أيها المكذبون بالرسول. قال الزمخشري: {أولئك الأحزاب}، قصد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم هم هم، وأنهم الذين وجد منهم التكذيب، ولقد ذكرت تكذيبهم أولاً في الجملة الخبرية على وجه الإبهام، ثم جاء بالجملة الاستثنائية، فأوضحه فيها بأن كل واحد من الأحزاب كذب الرسل، لأنهم إذا كذبوا واحداً منهم، فقد كذبوا جميعاً، وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولاً، وبالاستثناء ثانياً، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد والتخصيص أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشدّ العذاب وأبلغه. ثم قال: {فحق عقاب}: أي فوجب لذلك أن أعاقبهم حق عقابهم. انتهى.


الفواق، بضم الفاء وفتحها: الزمان الذي ما بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع، وفي الحديث: «العبادة قدر فواق الناقة» وأفاقت الناقة إفاقة: اجتمعت الفيقة في ضرعها فهي مفيق ومفيقة، عن أبي عمرو. والفيقة: اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، ويجمع على أفواق، وأفاويق جمع الجمع. وقال أبو عبيدة والفراء ومؤرج: الفواق، بالفتح: الإفاقة والاستراحة. القط، قال الفراء: الحظ والنصيب، ومنه قيل للصك: القط، وقال أبو عبيدة والكسائي: القط: الكتاب بالجوائز، وقال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته *** بغبطته يعطي القطوط ويأفق
ويروى بأمته: أي بنعمته، ويأفق: يصلح، وهو في الكتاب أكثر استعمالاً. قال أمية بن أبي الصلت:
قوم لهم ساحة أرض العراق وما *** يجبى إليهم بها والقط والعلم
ويجمع أيضاً على قططة، وفي القليل قط وأقطاط. تسور الحائط والسور وتسنمه والبعير: علا أعلاه. والسور: حائط المدينة، وهو غير مهموز. الشطط: مجاوزة الحد وتخطي الحق. وقال أبو عبيدة: شططت على فلان وأشططت: جرت في الحكم. التسع: رتبة من العدد معروفة، وكسر التاء أشهر من الفتح. النعجة: الأنثى من بقر الوحش ومن الضأن، ويكنى بها عن المرأة. قال الشاعر:
هما نعجتان من نعاج تبالة *** لذي جؤذرين أو كبعض لدى هكر
وقال ابن عون:
أنا أبوهن ثلاث هنه *** رابعة في البيت صغراهنه
ونعجتي خمساً توفيهنه *** إلا فتى سجح يغذيهنه
عزة: غلبه، يعزه عزاً؛ وفي المثل: من عزَّبزَّ، أي من غلب سلب. وقال الشاعر:
قطاة عزها شرك فباتت *** تجاذبه وقد علق الجناح
{وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب وهل آتاك نبؤ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقيل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
{وما ينظر}: أي ينظر، {هؤلاء}: إشارة إلى كفار قريش، والإشارة بهؤلاء مقوية أن الإشارة باؤلئك هي للذين يلونها من قوم نوح وما عطف عليه. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب لاستحضارهم بالذكر، أو لأنهم كالحضور عند الله.
انتهى. وفيه بعد، وهو إخبار منه تعالى صدقه الوجود. والصيحة: ما نالهم من قتل وأسر وغلبة، كما تقول؛ صاح فيهم الدهر. وقال قتادة: توعدهم بصيحة القيامة والنفخ في الصور. وقيل: بصيحة يملكون بها في الدنيا. فالقول الأول فيه الانتظار من الرسول لشيء معين فيهم، وعلى هذين القولين بمدرج عقوبة، وتحت أمر خطر ما ينتظرون فيه إلا الهلكة. وقرأ الجمهور: {من فواق}، بفتح الفاء؛ والسلمي، وابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وطلحة: بضمها، فقيل: هما بمعنى واحد، كقصاص الشعر. وقال ابن زيد، والسدي: بالفتح، إفاقة من أفاق واستراح، كجواب من أجاب. قال ابن عباس: {من فواق}: من ترداد. وقال مجاهد: من رجوع.
{عجّل لنا قطّنا}: نصيبنا من الجنة لنتنعم به في الدنيا. قاله الحسن وقتادة وابن جبير. وقال أيضاً، ومجاهد: نصيبنا من العذاب. وقال أبو العالية والكلبي: صحفنا بإيماننا. وقال السدي: المعنى: أرنا منازلنا من الجنة حتى نتابعك، وعلى كل قول، فإنما قالوا ذلك على سبيل الاستخفاف والاستهزاء. ومعنى {قبل يوم الحساب}: أي الذين يزعمون أنه واقع في العالم، إذ هم كفرة لا يؤمنون بالبعث.
ولما كانت مقالتهم تقتضي الاستخفاف، أمر تعالى نبيه بالصبر على أذاهم، وذكر قصصاً للأنبياء: داود وسليمان وأبوب وغيرهم، وما عرض لهم، فصبروا حتى فرج الله عنهم، وصارت عاقبتهم أحسن عاقبة. فكذلك أنت تصبر، ويؤول أمرك إلى أحسن مآل، وتبلغ ما تريد من إقامة دينك وإماتة الضلال. وقيل: {اصبر على ما يقولون}، وعظم أمر مخالفتهم لله في أعينهم، وذكرهم بقصة داود وما عرض له، وهو قد أوتي النبوة والملك، فما الظن بكم مع كفركم وعصيانكم؟ انتهى. وهو ملتقط من كلام الزمخشري مع تغيير بعض ألفاظه لا تناسب منصب النبوة. وقيل: أمر بالصبر، فذكر قصص الأنبياء ليكون برهاناً على صحة نبوته. وقيل: {اصبر على ما يقولون}، وحافظ على ما كلفت به من مصابرتهم، وتحمل أذاهم، واذكر داود وكرامته على الله، وما عرض له، ومالقي من عتب الله. {ذا الأيد}: أي ذا القوة في الدين والشرع والصدع بأمر الله والطاعة لله، وكان من ذلك قوياً في بدنه. والآوّاب: الرجّاع إلى طاعة الله، قاله مجاهد وابن زيد. وقال السدي: المسبح. ووصفه بأنه أوأب يدل على أن ذا الأيد معناه: القوة في الدين. ويقال: رجل أيد وأيد وذو أد وأياد: كل بمعنى ما يتقوى. و{الإشراق}: وقت الإشراق. قال ثعلب: شرقت الشمس، إذا طلعت؛ وأشرقت: إذا أضاءت وصفت. وفي الحديث، أنه عليه السلام، صلى صلاة الضحى وقال: «يا أم هانئ، هذه صلاة الإشراق، وفي هذين الوقتين كانت صلاة بني إسرائيل» وتقدّم كل الكلام في تسبيح الجبال في قصة داود في سورة الأنبياء، وأتى بالمضارع باسم الفاعل دلالة على حدوث التسبيح شيئاً بعد شيء، وحالاً بعد حال؛ فكأن السامع محاضر تلك الجبال سمعها تسبح.
ومثله قول الأعشى:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة *** إلى ضوء نار في بقاع تحرق
أي: تحرق شيئاً فشيئاً. ولو قال محرقة، لم يدل على هذا المعنى. وقرأ الجمهور: {والطير محشورة}، بنصبهما، عطفاً على الجبال يسبحن، عطف مفعول على مفعول، وحال على حال، كقولك: ضربت هنداً مجردة، ودعداً لابسة. وقرأ ابن أبي عبلة، والجحدري: والطير محشورة، برفعهما، مبتدأ وخبر، أو جاء محشورة باسم المفعول، لأنه لم يرد أنها تحشر شيئاً، إذ حاشرها هو الله تعالى، فحشرها جملة واحدة أدل على القدرة. والظاهر عود الضمير في له على داود، أي كل واحد من الجبل والطير لأجل داود، أي لأجل تسبيحه. سبح لأنها كانت ترجع تسبيحه، ووضع الأواب موضع المسبح. وقيل: الضمير عائد على الله، أي كل من داود والجبال والطير أواب، أي مسبح مرجع للتسبيح.
وقرأ الجمهور: {وشددنا}، مخففاً: أي قوينا، كقوله: {سنشد عضدك بأخيك} والحسن، وابن أبي عبلة: بشد الدال، وهي عبارة شاملة لما وهبه الله تعالى من قوة وجند ونعمة، فالتخصيص ببعض الأشياء لا يظهر. وقال السدي: بالجنود. قيل: كان يبيت حول محرابه أربعون ألف مسلم يحرسونه، وهذا بعيد في العادة؛ وقيل: بهيبة قذفها الله له في قلوب قومه. و{الحكمة} هنا: النبوة، أو الزبور، أو الفهم في الدين، أو كل كلام، ولقن الحق أقوال. {وفصل الخطاب}، قال علي والشعبي: إيجاب اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعي. وقال ابن عباس، ومجاهد، والسدي: القضاء بين الناس بالحق وإصابته وفهمه. وقال الشعبي: كلمة أما بعد، لأنه أول من تكلم بها وفصل بين كلامين. قال الزمخشري: لأنه يفتتح إذا تكلم في الأمر الذي له شأن بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق إليه، فصل بينه وبين ذكر الله بقوله: أما بعد. ويجوز أن يراد بالخطاب: القصد الذي ليس له فيه اختصار مخل، ولا إشباع ممل؛ ومنه ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصل لا نذر ولا هذر. انتهى. ولما كان تعالى قد كمل نفس نبيه داود بالحكمة، أردفه ببيان كمال خلقه في النطق والعبادة فقال: {وفصل الخطاب}.
{وهل أتاك نبؤ الخصم}: لما أنثى تعالى على داود عليه السلام بما أثنى، ذكر قصته هذه، ليعلم أن مثل قصته لا يقدح في الثناء عليه والتعظيم لقدره، وإن تضمنت استغفاره ربه، وليس في الاستغفار ما يشعر بارتكاب أمر يستغفر منه، وما زال الاستغفار شعار الأنبياء المشهود لهم بالعصمة. ومجيء مثل هذا الاستفهام إنما يكون لغرابة ما يجيء معه من القصص، كقوله: {وهل أتاك حديث موسى} فيتهيأ المخاطب بهذا الإستفهام لما يأتي بعده ويصغي لذلك.
وذكر المفسرون في هذه القصة أشياء لا تناسب مناصب الأنبياء، ضربنا عن ذكرها صفحاً، وتكلمنا على ألفاظ الآية. والنبأ: الخبر، فالخبر أصله مصدر، فلذلك تصلح للمفرد والمذكر وفروعهما، وهنا جاء للجمع، ولذلك قال: {إذ تسورو}: إذ دخلوا، كما قال الشاعر:
وخصم يعدون الدخول كأنهم *** قروم غيارى كل أزهر مصعب
والظاهر أنهم كانوا جماعة، فلذلك أتى بضمير الجمع. فإن كان المتحاكمان اثنين، فيكون قد جاء معهم غيرهم على جهة المعاضدة أو المؤانسة، ولا خلاف أنهم كانوا ملائكة، كذا قال بعضهم. وقيل: كانا أخوين من بني إسرائيل لأب وأم، والأول أشهر. وقيل: الخصم هنا اثنان، وتجوز في العبارة فأخبر عنهما أخبار ما زاد على اثنين، لأن معنى الجمع في التثنية. وقيل: معنى خصمان: فريقان، فيكون تسوروا ودخلوا عائداً على الخصم الذي هو جمع الفريقين، ويدل على أن خصمان بمعنى فريقان قراءة من قرأ: بغى بعضهم على بعض. وقال تعالى: {هذا خصمان اختصموا في ربهم} بمعنى: فأما إن هذا أخي. وما روي أنه بعث إليه ملكان، فالمعنى: أن التحاكم كان بين اثنين، ولا يمتنع أن يصحبهما غيرهما. وأطلق على الجميع خصم، وعلى الفريقين خصمان، لأن من جاء مع متخاصم لمعاضدة فهو في سورة خصم، ولا يبعد أن تطلق عليه التسمية، والعامل في الظرف، وهو إذ أتاك، قاله الحوفي ورد بأن إتيان النبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع إلا في عهده، لا في عهد داود. وقال ابن عطية، وأبو البقاء: العامل فيه نبأ ورد بما رد به ما قبله أن النبأ الواقع في عهد داود عليه السلام لا يصح إتيانه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا أردت بالنبأ القصة في نفسها، لم يكن ناصباً. وقيل: العامل فيه محذوف تقديره: وهل أتاك تخاصم الخصم؟ قاله الزمخشري. ويجوز أن ينتصب بالخصم، لما فيه من معنى الفعل. وإذ دخلوا بدل من إذ الأولى؛ وقيل: ينتصب بتسوروا. وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته، فمنعهما، فتسورا عليه المحراب، فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان.
قال ابن عباس: جزأ زمانه أربعة أجزاء: يوماً للعبادة، ويوماً للقضاء، ويوماً للاشتغال بخواص أموره، ويوماً لجميع بني إسرائيل، فيعظهم ويبكيهم. فجاءوه في غير القضاء، ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه، فخاف أن يؤذوه. وقيل: كان ذلك ليلاً، ويحتمل أن يكون فزعه من أجل أن أهل ملكته قد استهانوه حتى ترك بعضهم الاستئذان، فينكون فزعه على فساد السيرة، لا من الداخلين. وقال أبو الأحوص: فزع منهم لأنهما دخلا عليه، وكل منهما آخذ برأس صاحبه.
وقيل: فزع منهم لما رأى من تسورهم على موضع مرتفع جداً لا يمكن أن يرتقي إليه بعد أشهر مع أعوان وكثرة عدد. وقيل: إنهما قالا: لم نتوصل إليك إلا بالتسور لمنع الحجاب، وخفنا تفاقم الأمر بيننا، فقبل داود عذرهم. ولما أدركوا منه الفزع قالوا: {لا تخف}، أي لسنا ممن جاء إلا لأجل التحاكم. {خصمان}: يحتمل أن يكون هذا موصولاً بقولهما: {لاتخف}، بادر بإخبار ما جاءا إليه. ويحتمل أن يكون سألهم: ما أمركم؟ فقالوا: خصمان، أي نحن خصمان. {بغى}: أي جار، {بعضنا على بعض}، كما قال الشاعر:
ولكن الفتى حمل بن بدر *** بغى والبغي مرتعه وخيم
وقرأ أبو يزيد الجراد، عن الكسائي: خصمان، بكسر الخاء؛ وفي أمرهم له ونهيهم ببعض فظاظة على الحكام، حمل على ذلك ما هم فيه من التخاصم والتشاجر، واستدعوا عدله من غير ارتياب في أنه يحكم بالعدل. وقرأ الجمهور: {ولا تشطط}، مفكوكاً من أشط رباعياً؛ وأبو رجاء، وابن أبي عبلة، وقتادة، والحسن، وأبو حيوة: تشطط، من شط ثلاثياً. وقرأ قتادة أيضاً: تشط، مدغماً من أشط. وقرأ زر: تشاطط، بضم التاء وبالألف على وزن تفاعل، مفكوكاً. وعن قتادة أيضاً: تشطط من شطط، {سواء الصراط}: وسط طريق الحق، لا ميل فيه من هنا ولا هنا.
{إن هذا أخي}: هو قول المدعي منهما، وأخي عطف بيان عند ابن عطية، وبدل أو خبر لأن عند الزمخشري. والأخوّة هنا مستعارة، إذ هما ملكان، لكنهما لما ظهرا في صورة انسانين تكلما بالأخوّة، ومجازها أنها إخوة في الدين والإيمان، أو على معنى الصحبة والمرافقة، أو على معنى الشركة والخلطة لقوله: {وإن كثيراً من الخلطاء}، وكل واحدة من هذه الأخوات تقتضي منع الاعتداء، ويندب إلى العدل. وقرأ الجمهور: {تسع وتسعون}، بكسر التاء فيهما. وقرأ الحسن، وزيد بن علي: بفتحها. وقرأ الجمهور: {نعجة}، بفتح النون؛ والحسن، وابن هرمز: بكسر النون، وهي لغة لبعض بني تميم. قيل: وكنى بالنعجة عن الزوجة. {فقال أكفلنيها}: أي ردها في كفالتي. وقال ابن كيسان: اجعلها كفلي، أي نصيبي. وقال ابن عباس: أعطنيها؛ وعنه، وعن ابن مسعود: تحول لي عنها؛ وعن أبي العالية: ضمها إلي حتى أكفلها. {وعزني في الخطاب}، قال الضحاك: إن تكلم كان أفصح مني، وإن حارب كان أبطش مني. وقال ابن عطية: كان أوجه مني وأقوى، فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي، وقوته أعظم من قوتي. وقال الزمخشري: جاءني محجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أرده به. وأراد بالخطاب: مخاطبة المحاج المجادل، أو أراد خطيب المرأة، وخطبها هو فخاطبني خطاباً: أي غالبني في الخطبة، فغلبني حيث زوجها دوني؛ وقيل: غلبني بسلطانه، لأنه لما سأله لم يستطع خلافه. قال الحافظ أبو بكر بن العربي: كان ببلادنا أمير يقال له سيري بن أبي بكر، فكلمته في أن يسأل لي رجلاً حاجة، فقال لي: أما علمت أن طلب السلطان للحاجة غضب لها؟ فقلت: أما إذا كان عدلاً فلا.
وقرأ أبو حيوة، وطلحة: وعزني، بتخفيف الزاي. قال أبو الفتح: حذف الزاي الواحدة تخفيفاً، كما قال أبو زبيد:
أحسن به فهز إليه شوس ***
وروي كذلك عن عاصم. وقرأ عبيد الله، وأبو وائل، ومسروق، والضحاك، والحسن، وعبيد بن عمير: وعازني، بألف وتشديد الزاي: أي وغالبني. والظاهر إبقاء لفظ النعجة على حقيقتها من كونها أنثى الضأن، ولا يكنى بها عن المرأة، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك لأن ذلك الإخبار كان صادراً من الملائكة، على سبيل التصوير للمسئلة والفرض لها مرة غير تلبس بشيء منها، فمثلوا بقصة رجل له نعجة، ولخليطه تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمة المائة، فطمع في نعجة خليطة، وأراد انتزاعها منه؛ وحاجة في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده، ويدل على ذلك قوله: {وإن كثيراً من الخلطاء}، وهذا التصوير والتمثيل أبلغ في المقصود وأدل على المراد.
{قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه}: ليس هذا ابتداء من داود، عليه السلام، إثر فراغ لفظ المدعي، ولا فتيا بظاهر كلامه قبل ظهور ما يجب، فقيل ذلك على تقدير، أي لئن كان ما تقول، {لقد ظلمك}. وقيل: ثم محذوف، أي فأقر المدعي عليه فقال: {لقد ظلمك}، ولكنه لم يحك في القرآن اعتراف المدّعي عليه، لأنه معلوم من الشرائع كلها، إذ لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدّعى عليه. فأما ما قاله الحليمي من أنه رأى في المدّعي مخايل الضعف والهضيمة، فحمل أمره على أنه مظلوم، كما تقول، فدعاه ذلك إلى أن لا يسأل المدعى عليه، فاستعجل بقوله: {لقد ظلمك}، فقوله ضعيف لا يعول عليه. وروي أن داود، عليه السلام، لما سمع كلام الشاكي قال للآخر: ما تقول؟ فأقر فقال له: لئن لم ترجع إلى الحق لأكسرن الذي فيه عيناك، وقال للثاني: {لقد ظلمك}؛ فتبسما عند ذلك وذهبا، ولم يرهما لحينه، ورأى أنهما ذهبا نحو السماء بمرأى منه. وأضاف المصدر إلى المفعول، وضمن السؤال معنى الإضافة، أي بإضافة نعجتك على سبيل السؤال والطلب، ولذلك عداه بإلى.
{وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض}: هذا من كلام داود، ويدل على أن زمانه كان فيه الظلم والاعتداء كثيراً. والخلطاء: الشركاء الذين خلطوا أموالهم، الواحد خليط. قصد داود بهذا الكلام الموعظة الحسنة، والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الصلحاء الذين حكم لهم بالقلة، وأن يكره إليهم الظلم، وأن يسلي المظلوم عن ما جرى عليه من خليطه، وأن له في أكثر الخلطاء أسوة. وقرئ: ليبغي، بفتح الياء على تقدير حذف النون الخفيفة، وأصله: ليبغين، كما قال:
اضرب عنك الهموم طارقها ***
يريد: اضربن، ويكون على تقدير قسم محذوف ذلك القسم، وجوابه خير لأن.
وعلى قراءة الجمهور، يكون ليبغي خبراً لأن. وقرئ: ليبغ، بحذف الياء كقوله:
محمد تفد نفسك كل نفس ***
أي: تفدي على أحد القولين. و{قليل}: خبره مقدّم، وما زائدة تفيد معنى التعظيم والتعجب، وهم مبتدأ. {وظنّ داود}: لما كان الظن الغالب يقارب العلم، استعير له، ومعناه: وعلم داود وأيقن أنا ابتليناه بمحاكمة الخصمين. وأنكر ابن عطية مجيء الظن بمعنى اليقين. وقال: لسنا نجده في كلام العرب، وإنما هو توقيف بين معتقدين غلب أحدهما على الآخر، وتوقعه العرب على العلم الذي ليس على الحواس ودلالة اليقين التام، ولكن يخلط الناس في هذا ويقولون: ظن بمعنى أيقن، وطول ابن عطية في ذلك بما يوقف عليه في كتابه. وقرأ الجمهور: {فتناه}؛ وعمر بن الخطاب، وأبو رجاء، والحسن: بخلاف عنه، شد التاء والنون مبالغة؛ والضحاك: أفتناه، كقوله:
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ***
وقتادة، وأبو عمرو في رواية؛ يخفف التاء والنون، والألف ضمير الخصمين. {فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب}، راكعاً: حال، والخرور: الهويّ إلى الأرض. فإما أنه عبر بالركوع عن السجود، وإما أنه ذكر أول أحوال الخرور، أي راكعاً ليسجد. وقال الحسن: لأنه لا يكون ساجداً حتى يركع. وقال الحسن بن الفضل: أخر من ركوعه، أي سجد بعد أن كان راكعاً وقال قوم: يقال خر لمن ركع، وإن لم ينته إلى الأرض. والذي يذهب إليه ما دل عليه ظاهر الآية من أن المتسورين المحراب كانوا من الإنس، دخلوا عليه من غير المدخل، وفي غير وقت جلوسه للحكم، وأنه فزع منهم ظاناً أنهم يغتالونه، إذا كان منفرداً في محرابه لعبادة ربه. فلما اتضح له أنهم جاءوا في حكومة، وبرز منهم اثنان للتحاكم، كما قص الله تعالى، وأن داود عليه السلام ظن دخولهم عليه في ذلك الوقت ومن تلك الجهة إنقاذ من الله له أن يغتالوه، فلم يقع ما كان ظنه، فاستغفر من ذلك الظن، حيث أخلف ولم يكن يقع مظنونه، وخر ساجداً، أو رجع إلى الله تعالى فغفر له ذلك الظن؛ ولذلك أشار بقوله: {فغفرنا له ذلك}، ولم يتقدّم سوى قوله: {وظن داود إنما فتناه}، ويعلم قطعاً أن الأنبياء، عليهم السلام، معصومون من الخطايا، لا يمكن وقوعهم في شيء منها ضرورة أن لو جوزنا عليهم شيئاً من ذلك، بطلت الشرائع، ولم نثق بشيء مما يذكرون أنه أوحى الله به إليهم، فما حكى الله تعالى في كتابه يمر على ما أراده تعالى، وما حكى القصاص مما فيه غض عن منصب النبوة طرحناه، ونحن كما قال الشاعر:
ونؤثر حكم العقل في كل شبهة *** إذا آثر الآخبار جلاس قصاص


الصافن من الخيل: الذي يرفع إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه، وقد يفعل ذلك برجله، وهي علامة الفراهة، وأنشد الزجاج:
ألف الصفون فما يزال كأنه *** مما يقوم على الثلاث كسيرا
وقال أبو عبيدة: الصافن: الذي يجمع يديه ويسويهما، وأما الذي يقف على طرف السنبك فهو المتخيم. وقال القتبي: الصافن: الواقف في الخيل وغيرها. وفي الحديث: «من سره أن يقوم الناس له صفوناً فليتبوأ مقعده من النار»، أي يديمون له القيام، حكاه قطرب. وأنشد النابغة:
لناقبة مضروبة بفنائها *** عتاق المهارى والجياد الصوافن
وقال الفراء: على هذا رأيت العرب وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة. جاد الفرس: صار رابضاً، يجود جودة بالضم، فهو جواد للذكر والأنثى من خيل جياد وأجواد وأجاويد. وقيل: الطوال الأعناق من الجيد، وهو العنق، إذ هي من صفات فراهتها. وقيل: الجياد جمع جود، كثوب وثياب. الرخاء: اللينة، مشتقة من الرخاوة {يا داود إن جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها عليّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب قال رب إغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
جعله تعالى داود خليفة في الأرض يدل على مكانته، عليه السلام، عنده واصطفائه، ويدفع في صدر من نسب إليه شيئاً مما لا يليق بمنصب النبوّة. واحتمل لفظ خليفة أن يكون معناه: تخلف من تقدمك من الأنبياء، أن يعلي قدرك بجعلك ملكاً نافذ الحكم، ومنه قيل: خلفاء الله في أرضه. واستدل من هذه الآية على احتياج الأرض إلى خليفة من الله، ولا يلزم ذلك من الآية، بل لزومه من جهة الشرع والإجماع. قال ابن عطية: ولا يقال خليفة الله إلا لرسول. وأما الخلفاء، فكل واحد منهم خليفة الذي قبله، وما يجيء في الشعر من تسمية أحدهم خليفة الله فذلك تجوز، كما قال قيس الرقيات:
خليفة الله في بريته *** حقت بذاك الأقلام والكتب
وقالت الصحابة لأبي بكر: خليفة رسول الله، وبذلك كان يدعى مدته. فلما ولي عمر قالوا: خليفة خليفة رسول الله، وطال الأمر وزاد أنه في المستقبل، فدعوه أمير المؤمنين، وقصر هذا الاسم على الخلفاء. انتهى. {فاحكم بين الناس بالحق}: أمر بالديمومة، وتنبيه لغيره ممن ولي أمور الناس. فمن حيث هو معصوم لا يحكم إلا بالحق، أمر أولاً بالحكم؛ ولما كان الهوى قد يعرض لغير المعصوم، أمر باجتنابه، وذكر نتيجة اتباعه، وهو إضلاله عن سبيل الله. و{فيضلك}: جواب للنهي، والفاعل في فيضلك ضمير {الهوى}، أو ضمير المصدر المفهوم من {ولا تتبع}، أي فيضلك اتباع الهوى. ولما ذكر ما ترتب على اتباع الهوى، وهو الإضلال عن سبيل الله، ذكر عقاب الضال. وقرأ الجمهور: {يضلون}، بفتح الياء، لأنهم لما أضلهم اتباع الهوى صاروا ضالين. وقرأ ابن عباس، والحسن: بخلاف عنهما؛ وأبو حيوة: بضم الياء، وهذه القراءة أعم، لأنه لا يضل الإضال في نفسه؛ وقراءة الجمهور أوضح. و{بما نسوا}: متعلق بما تعلق به لهم، ونسوا: تركوا، و{يوم}: يجوز أن يكون منصوب بنسوا، أو بما تعلق به لهم، ويكون النسيان عبارة عن ضلالهم عن سبيل الله. وانتصب {باطلاً} على أنه نعت لمصدر محذوف، أي خلق باطلاً، أو على الحال، أي مبطلين، أو ذوي باطل، أو على أنه مفعول من أجله. معنى باطلاً: عبثاً.
{ذلك}: أي كون خلقها باطلاً، {ظن الذين كفروا}: أي مظنونهم، وهؤلاء، وإن كانوا مقرين بأن خالق السموات والأرض هو الله تعالى، فهم من حيث أنكروا المعاد والثواب والعقاب ظانون أن خلق ذلك ليس بحكمة، وأن خلق ذلك إنما هو عبث؛ ولذلك قال تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون} فنبه على المعاد والرجوع إلى جزائه، ثم ذكر ما بين المؤمن، عامل الصالحات، والمفسد من التباين، وأنهما ليسا سيين، وقابل الصلاح بالفساد، والتقوى بالفجور. قال ابن عباس: هي عامة في جميع المسلمين والكافرين. وقيل في قوم من مشركي قريش قالوا: نحن لنا في الآخرة أعظم مما لنا في الدنيا، فأنزل الله هذه الآية. وقيل في جماعة من المؤمنين والكافرين معينين بارزوا يوم بدر علياً وحمزة وعبيدة بن الحرث، رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة؛ ووصف كلاً ناسبه. والاستفهام بأم في الموضعين استفهام إنكار، والمعنى: أنه لا يستوي عند الله من أصلح ومن أفسد، ولا من اتقى ومن فجر، وكيف تكون التسوية بين من أطاع ومن عصى؟ إذن كان يبطل الجزاء، والجزاء لا محالة واقع، والتسوية منتفية.
ولما انتفت التسوية، بين ما تصلح به لمتبعه السعادة الأبدية، وهو كتاب الله تعالى، فقال: {كتاب أنزلناه}، وارتفاعه على إضمار متبدأ، أي هذا كتاب.
وقرأ الجمهور: {مبارك}، على الصفة. وقرئ: مباركاً، على الحال اللازمة، أي هذا كتاب. وقرأ الجمهور: {ليدبروا آياته}، بياء الغيبة وشد الدال، وأصله ليتدبروا. وقرأ عليّ بهذا الأصل. وقرأ أبو جعفر: بتاء الخطاب وتخفيف الدال؛ وجاء كذلك عن عاصم والكسائي بخلاف عنهما، والأصل: لتتدبروا بتاءين، فحذفت إحداهما على الخلاف الذي فيها، أهي تاء المضارعة أم التاء التي تليها؟ واللام في ليدبروا لام كي، وأسند التدبر في الجميع، وهو التفكر في الآيات، والتأمل الذي يفضي بصاحبه إلى النظر في عواقب الأشياء. وأسند التذكر إلى أولي العقول، لأن ذا العقل فيه ما يهديه إلى الحق وهو عقله، فلا يحتاج إلا إلى ما يذكره فيتذكر، والمخصوص بالمدح محذوف، التقدير: {نعم العبد} هو، أي سليمان. وقرئ: نعم على الأصل، كما قال:
نعم الساعون في القوم الشطر ***
أثنى تعالى عليه لكثرة رجوعه إليه، أو لكثرة تسبيحه. {إذ عرض}، الناصب لإذ، قيل: {أواب}، وقيل: اذكر على الاختلاف في تأويل هذه الآية. قال الجمهور: عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه له، وقيل: ألف واحد، فأجريت بين يديه عشياً، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكر له، فقال: ردوها عليّ. فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف لما كانت سبب الذهول عن ذلك الذكر، فأبد له الله أسرع منها الريح. وقال قوم، منهم الثعلبي: كانت بالناس مجاعة، ولحوم الخيل لهم حلال، فعقرها لتؤكل على سبيل القربة، ونحر الهدى عندنا. انتهى. وفي هذه القصة ألفاظ فيها غض من منصب النبوّة كفينا عنه. والخير في قوله {حب الخير}: أي هذا القول يراد به الخيل. والعرب تسمي الخيل الخير، قاله قتادة والسدي: وقال الضحاك، وابن جبير: الخير هنا المال، وانتصب حب الخير، قيل: على المفعول به لتضمن أحببت معنى آثرت، قاله الفرّاء. وقيل: منصوب على المصدر التشبيهي، أي أحببت الخيل كحب الخير، أي حباً مثل حب الخير. وقيل: عدى بعن فضمن معنى فعل يتعدى بها، أي أنبت حب الخير عن ذكر ربي، أو جعلت حب الخير مغنياً عن ذكر ربي. وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان أن أحببت بمعنى: لزمت، من قوله:
مثل بعير السوء إذ أحبا ***
وقالت فرقة: {أحببت}: سقطت إلى الأرض، مأخوذ من أحب البعير إذا أعيى وسقط. قال بعضهم: حب البعير: برك، وفلان: طأطأ رأسه. وقال أبو زيد: بعير محب، وقد أحب إحباباً، إذا أصابه مرض أو كسر، فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت. قال ثعلب: يقال للبعير الحسير محب، فالمعنى: قعدت عن ذكر ربي. وحب الخير على هذا مفعول من أجله، والظاهر أن الضمير في {توارت} عائد على {الصافنات}، أي دخلت اصطبلاتها، فهي الحجاب. وقيل: حتى توارت في المسابقة بما يحجبها عن النظر. وقيل: الضمير للشمس، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العشي عليها.
وقالت طائفة: عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة، فأشار إليهم أني في صلاتي، فأزالوها عنه حتى دخلت في الاصطبلات؛ فقال هو لما فرغ من صلاته: {إني أحببت حب الخير}، أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي، كأنه يقول: فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها، ردوها عليّ فطفق يمسح أعرافها وسوقها محبة لها. وقال ابن عباس والزهري: مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيدية تكريماً لها ومحبة، ورجحه الطبري. وقيل: بل غسلاً بالماء. وقال الثعلبي: إن هذا المسح كان في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله. انتهى. وهذا القول هو الذي يناسب مناصب الأنبياء، لا القول المنسوب للجمهور، فإن في قصته ما لا يليق ذكره بالنسبة للأنبياء.
و {حتى توارت}: غاية، فالفعل يكون قبلها متطاولاً حتى تصح الغاية، فأحببت: معناه أردت المحبة. وقال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله: {ردوها عليّ}؟ قلت: بمحذوف تقديره: قال ردوها عليّ، فأضمروا ضمير ما هو جواب له، كأن قائلاً قال: فماذا قال سليمان؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاء ظاهراً. ثم ذكر الزمخشري لفظاً فيه غض من النبوة فتركته. وما ذهب إليه من هذا الإضمار لا يحتاج إليه، إذ الجملة مندرجة تحت حكاية القول وهو: {فقال إني أحببت}. فهذه الجملة وجملة {ردوها علي} محكيتان بقال، وطفق من أفعال المقاربة للشروع في الفعل، وحذف غيرها لدلالة المصدر عليه، أي فطفق يمسح مسحاً. وقرأ الجمهور: {مسحاً}: وزيد بن علي: مساحاً، على وزن قتال، والباء {بالسوق} زائدة، كهي في قوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} وحكى سيبويه: مسحت برأسه ورأسه بمعنى واحد، وتقدم الكلام على ذلك في المائدة. وقرأ الجمهور: بالسوق، بغير همز على وزن فعل، وهو جمع ساق، على وزن فعل بفتح العين، كأسد وأسد؛ وابن كثير بالهمز، قال أبو علي: وهي ضعيفة، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو وقدر أنها عليها فهمزت، كما يفعلون بالواو المضمومة. ووجه همز السوق من السماع أن أبا حبة النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وكان ينشد:
حب المؤقدين إلى مؤسى ***
انتهى. وليست ضعيفة، لأن الساق فيه الهمزة، ووزن فعل بسكون العين، فجاءت هذه القراءة على هذه اللغة. وقرأ ابن محيصن: بهمزة بعدها الواو، رواهما بكار عن قنبل. وقرأ زيد بن علي: بالساق مفرداً، اكتفى به عن الجمع لأمن اللبس. ومن غريب القول أن الضمير في ردوها عائد على الشمس، وقد اختلفوا في عدد هذه الخيل على أقوال متكاذبة، سودوا الورق بذكرها.
{ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً}: نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالاً يجب براءة الأنبياء منها، يوقف عليها في كتبهم، وهي مما لا يحل نقلها، وأما هي من أوضاع اليهود والزنادقة، ولم يبين الله الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان.
وأقرب ما قيل فيه: أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال: «لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة واحدة، وجاءته بشق رجل». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون» فالمراد بقوله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً} هو هذا، والجسد الملقى هو المولود شق رجل. وقال قوم: مرض سليمان مرضاً كالإغماء حتى صار على كرسيه جسداً كأنه بلا روح. ولما أمر تعالى نبيه عليه السلام بالصبر على ما يقول كفار قريش وغيرهم، أمره بأن يذكر من ابتلي فصبر، فذكر قصة داود وقصة سليمان وقصة أيوب ليتأسى بهم، وذكر ما لهم عنده من الزلفى والمكانة، فلم يكن ليذكر من يتأسى به ممن نسب المفسرون إليه ما يعظم أن يتفوه به ويستحيل عقلاً وجود بعض ما ذكروه، كتمثل الشيطان بصورة نبي، حتى يلتبس أمره عند الناس، ويعتقدون أن ذلك المتصور هو النبي، ولو أمكن وجود هذا، لم يوثق بإرسال نبي، وإنما هذه مقالة مسترقة من زنادقة السوفسطائية، نسأل الله سلامة أذهاننا وعقولنا منها. {ثم أناب}: أي بعد امتحاننا إياه، أدام الإنابة والرجوع.
{قال رب اغفر لي}: هذا أدب الأنبياء والصالحين من طلب المغفرة من الله هضماً للنفس وإظهاراً للذلة والخشوع وطلباً للترقي في المقامات، وفي الحديث: «إني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة»، والاستغفار مقدمة بين يدي ما يطلب المستغفر بطلب الأهم في دينه، فيترتب عليه أمر دنياه، كقول نوح في ما حكى الله عنه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً} الآية. والظاهر أن طلب الملك كان بعد هذه المحنة. وذكر المفسرون أنه أقام في ملكه عشرين سنة قبل هذا الابتلاء، وأقام بعدها عشرين سنة، فيمكن أنه كان في ملك قبل المحنة، ثم سأل بعدها ملكاً مقيداً بالوصف الذي بعده، وهو كونه لا ينبغي لأحد من بعده، واختلفوا في هذا القيد، فقال عطاء بن أبي رباح وقتادة: إلى مدة حياتي، لا أسلبه ويصير إلى غيري. وقال ابن عطية: إنما قصد بذلك قصداً جائزاً، لأن للإنسان أن يرغب من فضل الله فيما لا يناله أحد، لا سيما بحسب المكانة والنبوة. وانظر إلى قوله: {لا ينبغي}، إنما هي لفظة محتملة ليست تقطع في أنه لا يعطي الله نحو ذلك الملك لأحد. انتهى.
وقال الزمخشري: كان سليمان عليه السلام ناشئاً في بيت الملك والنبوة ووارثاً لهما؛ فأراد أن يطلب من ربه معجزة، فطلب على حسب إلفه ملكاً زائداً على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز، ليكون ذلك دليلاً على نبوته، قاهراً للمبعوث إليهم، ولن يكون معجزة حتى تخرق العادات، فذلك معنى قوله: {لا ينبغي لأحد من بعدي}.
وقيل: كان ملكاً عظيماً، فخاف أن يعطي مثله أحد، فلا يحافظ على حدود الله فيه، كما قالت الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك} وقيل: ملكاً لا أسلبه، ولا يقوم فيه غيري مقامي. ويجوز أن يقال: علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين، وعلم أنه لا يطلع بأحبابه غيره، وأوجبت الحكمة استيهابه، فأمره أن يستوهبه بأمر من الله على الصفة التي علم الله أن لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده. أو أراد أن يقول: ملكاً عظيماً، فقال: {لا ينبغي لأحد من بعدي}، ولم يقصد بذلك إلا عظمة الملك وسعته، كما تقول لفلان: ما ليس لأحد من الفضل والمال، وربما كان للناس أمثال ذلك، ولكنك تريد تعظيم ما عنده. انتهى.
ولما بالغ في صفة هذا الملك الذي طلبه، أتى في صفته تعالى باللفظ الدال على المبالغة فقال: {إنك إنت الوهاب}: أي الكثير الهبات، لا يتعاظم عنده هبة. ولما طلب الهبة التي اختص بطلبها، وهبه وأعطاه ما ذكر تعالى من قوله: {فسخرنا له الريح}. وقرأ الجمهور: بالإفراد؛ والحسن، وأبو رجاء، وقتادة، وأبو جعفر: الرياح بالجمع، وهو أعم لعظم ملك سليمان، وإن كان المفرد بمعنى الجمع لكونه اسم جنس. {تجري}: يحتمل أن تكون جملة حالية، أي جارية، وأن تكون تفسيرية لقوله: {فسخرنا له الريح}. {بأمره}؛ أي لا يمتنع عليه إذا أراد جريها. {رخاء}، قال ابن عباس والحسن والضحاك: مطيعة. وقال مجاهد: طيبة. {حيث أصاب}: أي حيث قصد وأراد، حكى الزجاج عن العرب. أصاب الصواب فأخطأ الجواب: أي قصد. وعن رؤية أن رجلين من أهل اللغة قصداه ليسألاه عن هذه الكلمة، فخرج إليهما فقال: أين تصيبان؟ فقال: هذه طلبتنا. ويقال: أصاب الله بك خيراً، وأنشد الثعلبي:
أصاب الكلام فلم يستطع *** فأخطأ الجواب لدى المفصل
وقال وهب: حيث أصاب، أي أراد. قيل: ويجوز أن يكون أصاب دخلت فيه همزة التعدية من صاب، أي حيث وجه جنوده وجعلهم يصوبون صوب السحاب والمطر. وقيل: أصاب: أراد، بلغة حمير. وقال قتادة: بلغة هجر. {والشياطين}: معطوف على الريح و{كل بناء وغواص}: بدل، وأتى ببنية المبالغة، كما قال: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} الآية، وقال النابغة:
إلا سليمان إذ قال الإله له *** قم في البرية فاحددها عن الفند
وجيش الجنّ إني قد أذنت لهم *** يبنون تدمر بالصفاح والعمد
والمعطوف على العام عام، فالتقدير: وكل غواص، أي في البحر يستخرجون له الحلية، وهو أول من استخرج الدر. {وآخرين}: عطف على كل، فهو داخل في البدل، إذ هو بدل كل من كل بدل التفصيل، أي من الجنّ، وهم المردة، سخرهم له حتى قرنهم في الأصفاد لكفرهم. وقال النابغة في ذلك:
فمن أطاعك فانفعه بطاعته *** كما أطاعك وادلله على الرشد
ومن عصاك فعاقبه معاقبة *** تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد
تقدم تفسير {مقرّنين في الأصفاد} في آخر سورة إبراهيم عليه السلام، وأوصاف من ملك سليمان في سورة النمل. {هذا عطاؤنا}: إشارة لما أعطاه الله تعالى من الملك الضخم وتسخير الريح والإنس والجنّ والطير، وأمره بأن يمنّ على من يشاء ويمسك عن من يشاء. وقفه على قدر النعمة، ثم أباح له التصرف فيها بمشيئته، وهو تعالى قد علم أنه لا يتصرف إلا بطاعمة الله. قال الحسن وغيره، قاله قتادة: إشارة إلى ما فعله الجن، أي فامنن على من شئت منهم، وأطلقه من وثاقه، وسرحه من خدمته، وأمسك أمره كما تريد. وقال ابن عباس: إشارة إلى ما وهبه من النساء وأقدره عليهنّ من جماعهنّ، ولعله لا يصح عن ابن عباس، لأنه لم يجر هنا ذكر النساء، ولا ما أوتي من القدرة على ذلك، و{بغير حساب}: في موضع الحال من {عطاؤنا}، أي هذا عطاؤنا جماً كثيراً لا تكاد تقدر على حصره. ويجوز أن يكون {بغير حساب} من تمام {فامنن}. {أو أمسك}: أي لا حساب عليك في إعطاء من شئت أو حرمانه، وفي إطلاق من شئت من الشياطين أو إيثاقه.
وختم الله تعالى قصته بما ذكر في قصة والده، وهو قوله: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}. وقرأ الجمهور: {وحسن مآب}، بالنصب عطفاً على {زلفى}. وقرأ الحسن، وابن أبي عبلة: بالرفع، ويقفان على {زلفى}، ويبتدآن {وحسن مآب}، وهو مبتدأ، خبره محذوف تقديره: وحسب مآب له.

1 | 2